أخبار وطنية حرب مجانية وتلاسن مثير بين القضاة والمحامين

تفاقمت في الآونة الأخيرة الخلافات والنزاعات بين سلكين هامين وهما المحاماة والقضاء، فلئن استبشر البعض اثر الثورة بعودة المياه الى مجاريها بين هذين القطاعين بعد صراع كاد هامين يكون أزليا خاصة بعد أن ساندت هيئة المحاماة القضاة من اجل استقلالية مهنتهم وكذلك فعلت نقابات القضاة، الا أن الأجواء سرعان ما تعكرت وطفت الخلافات على السطح من جديد، ولعل حادثة اصدار قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس بطاقة ايداع بالسجن في حق احدى المحاميات وهي الاستاذة فاطمة الماجري دفع بالمحامين الى اعتبار القاضي المذكور قد اهان سلك المحاماة لتطوّر المسألة الى تبادل الاتهامات بين الطرفين، ولئن نجح المحامون في اقرار مبدا الافراج عن زميلتهم فان القضاة لم يرضخوا لما اسموه اعتداء على وظيفتهم وصلاحياتهم خاصة بعد ان راجت اخبار حول اعتداء بعض المحامين على قاضي التحقيق المذكور أعلاه وهو ما دفعهم الى اخذ قرار الدخول في اضراب، وبين تصريحات اهل المحاماة وتنديدات القضاة تفاقمت الأزمة واحتدت والثابت ان المتضرر الوحيد من هذا الصراع هو المواطن البسيط.... حول هذه الخلافات كان لأخبار الجمهورية حوار مع القاضي أحمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء.. ومع الأستاذ لزهر العكرمي عن سلك المحاماة..
أحمد الرحموني( رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء):
«عقلية الربح والخسارة تسيطر على هياكل القضاء والمحاماة»
ماهو تعليقك على الخلافات والأزمة التي اندلعت مؤخرا بين القضاة والمحامين؟
صدقا نحن في المرصد التونسي لاستقلال القضاء نعتبر ان ما جدّ مؤخرا مؤسف للغاية وذلك دون التوقف عند حادثة التهجم على قاضي التحقيق في المكتب الخامس بالمحكمة الابتدائية بتونس من قبل عدد محدود من المحامين، وشخصيا اعتبر أن هذه الحادثة تبرز كغيرها من الحوادث الأخرى حجم الخلافات بين القضاة والمحامين التي أصبحت علنية حيث بان بالكاشف تدهور العلاقات بين الطرفين وتعمّق الأزمة والثابت أن لهذه الخلافات أسبابها التي يجب تشخيصها وايجاد حلول عاجلة لها.
وماهي ابرز هذه الاسباب؟
هي اسباب هيكلية وتاريخية وازمات سابقة وخلافات اندلعت بعد الثورة كذلك، وقد تعمق الصراع بغياب الثقافة المشتركة والتكوين المستقل لكل وظيفة عن الاخرى اضافة الى السلوكات الفردية، لذلك لا بدّ اليوم من تشخيص الأسباب للوصول إلى سبل المعالجة، فعلاقة المحاماة والقضاة غير مبنية على مؤسسات، اضافة الى انعدام الخطاب الحرّ كما ان النقاش مقتصر على هياكل هي في الاصل بصدد تغذية النزعة القطاعية، وبالتالي فالأمر يتطلب فتح باب الحوار بعد 3 سنوات على الثورة تفاقمت فيها الخلافات، ففي السابق الاستبداد غذى الاحتقان والخلافات واليوم رفعت الاسباب المباشرة والاستبداد لكن الخلافات تواصلت.
وماهي حسب اعتقادك تداعيات هذه الأزمة؟
نحن في البداية نندد بكل التجاوزات الرامية إلى تعميق الخلافات بين القضاة والمحامين وبكل السلوكات المنافية للأخلاقيات المشتركة بينهما لما يؤدي إليه ذلك من مساس بسمعة المؤسسة القضائية وسيتحمل بطبيعة الحال المتقاضون تداعياتها رغم كونهم لا يتحملون مسؤولية الخلافات بين الطرفين .
وماهي الحلول العاجلة برأيك للقضاء على هذه الخلافات بين قطاعين حيويين؟
أعتقد أن التوترات وأزمة العلاقات بين القضاة والمحامين لا يمكن أن تعالج في إطار خطاب قطاعي يتسم بتبادل الاتهامات وحماية المصالح الخاصة بكل طرف لما في ذلك من تهميش للحلول المشتركة، فالخلاف لا يمكن ان ينتهي بانتصار كل قطاع لمنخرطيه ولن نتقدم في ظلّ العقلية القبلية، لذلك نحن اليوم في المرصد التونسي لاستقلال القضاء ندعو القضاة والمحامين إلى بحث الأسباب الداعية لتلك الخلافات سواء على المستوى الهيكلي أو الشخصي والشروع بصفة جدية في معالجة جذرية لمصادر الاحتقان وتأزم العلاقات وذلك بإقرار كل طرف بإستقلالية الآخر وبالحقوق الراجعة له في اطار ما يقتضيه القانون وبإقامة علاقات لائقة بينهما تستند إلى الروابط المهنية والإنسانية التي جمعت القضاء والمحاماة وتأسيس آليات خاصة بفض النزاعات على مستوى الهياكل المهنية لإدارة الأزمات المثارة بين القضاة والمحامين لأن القضاة شأنهم شأن المحامين هم مطالبون بالتخلي عن عقلية الخصومات والنظرة الحربية للمسألة ونظرية الربح والخسارة.
عموما نحن في حاجة الى التوافق حول مضمون حصانة المحامي والاحترام الواجب للمحاكم.
هل يتحمل الوضع في تونس اليوم اضرابا عاما في قطاع حيوي كالقضاء؟
بطبيعة الحال لا لأن المتضرر الوحيد وكما اخبرتك هو المتقاضي لذلك وجب علينا في هذه المرحلة ايجاد اطار يقع من خلاله البحث في الاشكاليات بطريقة حرّة ومعمقة ونحن ندعو الى عقد ندوة بين القضاة والمحامين خلال هذا الاسبوع لتقريب وجهات النظر وانشاء علاقات لائقة وايجاد آليات على مستوى المحاكم وممثلي الهياكل وتأسيس آليات وقائية حتى لا تتكر مثل هذه الخلافات .
لكن قطاع القضاة لا يشهد خلافات مع المحاماة فقط بل كذلك خلافات داخلية بين النقابة والجمعية؟
فعلا فالخلافات بين جمعية القضاة والنقابة الوطنية للقضاة من شأنها ان تسيء الى سمعة القطاع لذلك لا بدّ ايضا من معالجة الخلافات الداخلية لأننا في أمس الحاجة الى سلمية العلاقات.
ختاما كمرصد تونسي لاستقلال القضاء ماهي خطواتكم المستقبلية؟
لقد انتهينا من صياغة تقرير متكامل حول الخلافات الأخيرة بين سلكي القضاء والمحاماة واقترحنا بعض الحلول لتجاوز هذه الازمة، كما سنحاول قدر الامكان جمع اكبر عدد ممكن من المحامين والقضاة لتقريب وجهات النظر وطرح موضوع الخلافات على طاولة الحوار لنتناقش فيها وسنسعى الى إنشاء أسس مشتركة ليقع بعد التشخيص ايجاد آليات يلتزم كل طرف بها وذلك قصد الوقاية وتطويق هذه النزاعات وخلق ارضية خالية من الخلافات.
لزهر العكرمي:
«لابدّ من بعث لجنة عقلاء»
في البداية، ما هو تعليقك على الأحداث الأخيرة وتفاقم الخلافات بين سلك القضاء والمحاماة؟
ـ أنا أدعو الى ضرورة بعث لجنة عقلاء لاجراء مصالحة فورية والنظر في المشاكل المتراكمة، حتى نصل الى نقطة مهمّة وهي اننا ننتمي الى العدالة وليس الى فرع المحاماة او قطاع القضاء، لأنه لا يمكن ان تحصل اي مصداقية للقطاع دون قضاء مستقل ومحاماة حرّة، انّ ماحدث في مجمله مؤسف وغير مبرّر ولابدّ من النظر الى المستقبل لكن بإيجاد حلول جذرية للمشاكل العالقة.
ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت الى احتدام الصراع بين القطاعين؟
ـ هناك مشاكل متراكمة منذ صدور مرسوم سنة 2011 المنظم لمهنة المحاماة كما انّ هناك غياب لأيّ هيكلة مشتركة ممكن ان تنظر في المشاكل وتعمل على فضّها مما جعل الروح القطاعية تتحوّل الى عصابات تشبه العصبية القبلية، وبالتالي هناك في قطاع المحاماة كما في قطاع القضاء تجاوزات، لكن الأغلبية يمكن ان تطوّق المشاكل وباعتبار ان العملة السيئة تطرد العملة الجيّدة من السوق فقد علت الأصوات المتمسّكة بالعصبية..
ما هي تداعيات هذه الأزمة حسب اعتقادك؟
ـ أعتقد ان المتضرّر الأول من الصراع الحالي بين فرع المحاماة وقطاع القضاء هي مصداقية القطاعين وقطاع العدالة بصفة عامة ثم المتقاضي في درجة ثالثة الذي ستتعطّل مصالحه..
لكنك سبق ان صرّحت بأن القاضي الذي اصدر بطاقة ايداع بالسجن ضد المحامية فاطمة الماجري غير محايد؟
ـ دخلنا اليوم في منطق المصالحة وايجاد حلول جذرية للقضاء على الأزمة الراهنة بين المحاماة والقضاء وبالتالي أعتقد انه ليس من مصلحة القطاعين او المصلحة العامّة ان أعيد ما صرّحت به بخصوص قاضي التحقيق المذكور والذي سينظر القضاء لاحقا في شأنه نحن اليوم في أمس الحاجة الى عدم الانسياق وراء حرب التصريحات المتشنّجة.
حسب اعتقادك، ما هي ابرز الحلول الجذرية والعاجلة لتجاوز الأزمة خاصة بعد دخول القضاة في اضراب عن العمل؟
ـ نحن نفكّر حاليا في ايجاد حلول عاجلة لهذه الخلافات، في المقابل لا يجب التقليل من شأن ما حصل سواء من ناحية ما أقدم عليه بعض المحامين او من قرار قاضي التحقيق.
ختاما، ألا ترى انّ المنظومة القضائية تعاني من مشاكل أهمّ بكثير من شخصنة قضية معينة؟
ـ الضرورات تقدر بقدرها، وما حصل ليس بالهيّن فالإشكال جدّ داخل قطاع العدلة ولابدّ من الوقوف عنده.. من جهة أخرى اقرّ بأنّ الاعتداء بالعنف مدان ومرفوض في المقابل آلية «اسجن اليوم وغدوة سيّب» مدانة كذلك.
حاورتهما: سناء الماجري